< 1 >
ضع عنوان هنا
ضع فقرة نصية هنا
< 2 >
ضع عنوان هنا
ضع فقرة نصية هنا
< 3 >
ضع عنوان هنا
ضع فقرة نصية هنا
< 4 >
ضع عنوان هنا
ضع فقرة نصية هنا

الجمعة، 7 مارس 2014

ديدات


الأربعاء، 5 مارس 2014

الدعوة

ما من قائم يقوم في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية داعيًا إلى ترك ضلالة من الضلالات، أو بدعة من البدع، إلا وقد آذن نفسه بحرب لا تخمد نارها، ولا يخبو أوارها حتى تهلك، أو يهلك دونها.
ليس موقف الجندي في معترك الحرب بأحرج من موقف المرشد في معترك الدعوة، وليس سلب الأجسام أرواحها، بأقرب منالًا من سلب النفوس غرائزها وميولها.. ولا يضنُّ الإنسان بشيء مما تملك يمينه ضنَّه بما تنطوي عليه جوانحه من المعتقدات، وأنه ليبذل دمه صيانة لعقيدته، ولا يبذل عقيدته صيانة لدمه، وما سالت الدماء، ولا تمزقت الأشلاء في موقف الحروب البشرية، من عهد آدم إلى اليوم إلا حماية للمذاهب، وذودًا عن العقائد.
لذلك كان الدعاة في كلِّ أمة أعداءها وخصومها؛ لأنهم يحاولون أن يرزؤوها في ذخائر نفوسها، ويفجعونها في أعلاق قلوبها.
الدعاة أحوج الناس إلى عزائم ثابتة، وقلوب صابرة على احتمال المصائب والمحن التي يلاقونها في سبيل الدعوة؛ حتى يبلغوا الغاية التي يريدونها أو يموتوا في طريقها.

الدعاة الصادقون لا يبالون أن يسميهم الناس خونة أو جهلة أو زنادقة أو ملحدين، أو ضالين، أو كافرين؛ لأن ذلك ما لا بد أن يكون.
الدعاة الصادقون يعلمون أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، عاش بين أعدائه ساحرًا كذابًا، ومات سيد المرسلين ... فهم يحبون أن يكونوا أمثال هؤلاء العظماء أحياء وأمواتًا.
سيقول كثير من الناس: وما يغني الداعي دعاؤه في أمة لا تحسن به ظنًّا، ولا تسمع له قولًا، إنَّه يضرُّ نفسه من حيث لا ينفع أمته، فيكون أجهل الناس، وأحمق الناس.
هذا ما يوسوس به الشيطان للعاجزين الجاهلين، وهذا هو الداء الذي ألمَّ بنفوس كثير من العلماء، فأمسك ألسنتهم عن قول الحق، وحبس نفوسهم عن الانطلاق في سبيل الهداية والإرشاد، فأصبحوا لا عمل لهم إلا أن يكرروا للناس ما يعلمون، ويعيدوا عليهم ما يحفظون، فجمدت الأذهان، وتبلدت المدارك، وأصبحت العقول في سجن مظلم، لا تطلع عليه الشمس، ولا ينفذ إليه الهواء.
الجهل غشاء سميك يغشي العقل، والعلم نار متأججة تلامس ذلك الغشاء فتحرقه رويدًا رويدًا، فلا يزال العقل يتألم لحرارتها، ما دام الغشاء بينه وبينها، حتى إذا أتت عليه انكشف له الغطاء، فرأى النار نورًا، والألم لذة وسرورًا.
لا يستطيع الباطل أن يصرع الحقَّ في ميدان؛ لأنَّ الحقَّ وجود والباطل عدم، إنما يصرعه جهل [بعض] العلماء بقوته، ويأسهم من غلبته، وإغفالهم النداء به، والدعاء إليه.
محال أن يهدم بناء الباطل فرد واحد في عصر واحد، وإنما يهدمه أفراد متعددون، في عصور متعددة، فيهزه الأول هزة تباعد ما بين أحجاره، ثم ينقض الثاني منه حجرًا، والثالث آخر. وهكذا حتى لا يبقى منه حجر على حجر.

الجهلاء مرضى، والعلماء أطباء، ولا يجمل بالطبيب أن يحجم عن العمل الجراحي فرارًا من إزعاج المريض، أو خوفًا من صياحه وعويله، أو اتقاء لسبِّه وشتمه، فإنَّه سيكون غدًا أصدق أصدقائه، وأحبَّ الناس إليه.
وبعد: فقليل أن يكون الداعي في الأمة الجاهلة حبيبًا إليها إلا إذا كان خائنًا في دعوته، سالكًا سبيل الرياء والمداهنة في دعوته، وقليل أن ينال حظَّه من إكرامها وإجلالها، إلا بعد أن تتجرع مرارة الدواء، ثم تشعر بحلاوة الشفاء.

الدعاة في هذه الأمة كثيرون ملء الفضاء، وكظة [الكظة: البطنة] الأرض والسماء، ولكن لا يكاد يوجد بينهم داع واحد؛ لأنَّه لا يوجد بينهم شجاع واحد!
أصحاب الصحف وكتاب الرسائل والمؤلفون وخطباء الجامع وخطباء المنابر، كلُّهم يدعون إلى الحقِّ، وكلُّهم يعظون وينصحون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكن لا يوجد بينهم من يستطيع أن يحمل في سبيل الدعوة ضرًّا، أو يلاقي في طريقها شرًّا.
رأيت الدعاة في هذه الأمة [إلا من رحم الله] أربعة:
- رجلًا يعرف الحقَّ، ويكتمه عجزًا وجبنًا، فهو ساكت طول حياته، لا ينطق بخير ولا شرٍّ.
- ورجلًا يعرف الحقَّ وينطق به، ولكنه يجهل طريق الحكمة والسياسة في دعوته، فيهجم على النفوس بما يزعجها وينفرها، وكان خيرًا له لو صنع ما يصنعه الطبيب الماهر الذي يضع الدواء المرَّ في (برشامة)؛ ليسهل تناوله وازدراده.
- ورجلًا لا يعرف حقًّا ولا باطلًا، فهو يخبط في دعوته خبط الناقة العشواء في بيدائها، فيدعو إلى الخير والشرِّ، والحقِّ والباطل، والضارِّ والنافع في موقف واحد، فكأنَّه جواد امرئ القيس الذي يقول فيه:
مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معًا
- ورجلًا يعرف الحقَّ، ويدعو الأمة إلى الباطل دعوة المجدِّ المجتهد، وهو أخبث الأربعة وأكثرهم غائلة؛ لأنَّه صاحب هوى، يرى أنَّه لا يبلغ غايته منه، إلا إذا أهلك الأمة في سبيله، فهو عدوها في ثياب صديقها؛ لأنَّه يوردها موارد التلف والهلاك، باسم الهداية والإرشاد، فليت شعري من أي واحد من هؤلاء الأربعة تستفيد الأمة رشدها وهداها؟!
ما أعظم شقاء هذه الأمة، وأشد بلاءها! فقد أصبح دعاتها [إلا من رحم الله] في حاجة إلى دعاة، ينيرون لهم طريق الدعوة، ويعلمونهم كيف يكون الصبر والاحتمال في سبيلها، فليت شعري متى يتعلمون ثم يرشدون؟                                                                                          المصدر: كتاب (مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الكاملة)

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام

ألقى أحد الأساتذة محاضرة تعرض فيها لاختلاط الفتيان والفتيات في الجامعة، وأبدى استحسانه لهذا الاختلاط، ووقف موقف الدفاع عنه.
وما كنا ننتظر من الأستاذ المحاضر وقد قضى سنين غير قليلة وشؤون المجتمع تمرُّ عليه بمقدماتها، وبما ينتج عنها من خير وشر أن يقول ما قاله في تلك المحاضرة.
بل كنا ننتظر منه أن يملي على أبنائنا وبناتنا كلمات يتلقونها على أنها آراء أحْكَمَتْها التجارب، فيستنيرون بها في حياتهم المحفوفة بالأخطار من كل جانب.
ولكن الأستاذ لم يشأ إلا أن يتناول في محاضرته مسألة اختلاط الفتيان والفتيات، ويرضى عن ذلك الاختلاط، صارفًا النظر عما يجر إليه من الانحلال في الأخلاق، وغمز في الأعراض...

وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لباب الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية.
يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:]30، ويقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ} [النور: 31].
ومعنى غضّ البصر صرفه عن النظر الذي هو وسيلة الفتنة، والوقوع في فساد، ومن ذا الذي يجمع الفتيان والفتيات في غرفة، وينتظر من هؤلاء وهؤلاء أن يصرفوا أبصارهم عن النظر، ولا يتبعوا النظرة بأخواتها؟ وهل يستطيع أحدٌ صادق اللهجة أن يقول: إن أولئك المؤمنين والمؤمنات يحتفظون بأدب غضِّ أبصارهم من حين الالتقاء بين جدران الجامعة إلى أن ينفضّوا من حولها؟ والشريعة التي تأمر بغض النظر عن النظر إلى السافرات، تنهى أولي الأمر عن تَصَرُّفٍ شَأْنُهُ أن يدفع الفتيان والفتيات إلى عواقب وخيمة.
ويقول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31].
والزينة ما يتزين به من نحو القُرط، والقِلادة، والخاتم، والوشاح والشعر، والأصباغ من نحو الكحل والخضاب، والملابس الأنيقة، وما ظهر من الزينة هو الثوب الذي يستر الجسد حتى لا يظهر ما تحته من حلي، وشعر، ونحوه.
ثم إن القرآن قد استثنى طائفة من الناس تكثر مداخلاتهم للمرأة؛ فيكون في التزامها التستر الذي تلزمه مع الأجنبي مشقةٌ عليها، فأذن لها في عدم إخفاء زينتها منهم، ثم إنَّ تَوقُّعَ الفساد منهم شأنهُ أن يكون مفقودًا أو نادرًا، إما لشدة القربة، كالأب والابن والأخ والخال والعم وابن الأخ وابن الأخت، وإما لأن شأنهم الغيرة على حفظ عرض المرأة كأبي الزوج وابنه، فإن أبَ الزوج أو ابنه تدعوه الغيرة على أن يحافظ على عرض المرأة؛ لأن في حفظ عرضها حفظًا لعرض ابنه إن كان أبًا، أو لعرض أبيه إن كان ابنًا.
وهؤلاء وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الباطنة، لا يتساوون فيما يصح أن يطلع عليه، فالزوج يحل له النظر إلى ما شاء، وأما الابن والأب والأخ والجد وكل ذي محرم، فلا يجب على المرأة أن تستر منهم الشعر والنحر والساقين والذراع، وأما غير أولي الإربة من الرجال، وهم الذين عرف منهم التعفف، وكانوا على حالة من لا يقدر على مباشرة النساء، كالطاعنين في السن الذين عرفوا بالصلاح وعدم الحاجة إلى النساء، فإنما يحل للمرأة أن تظهر أمامهم في ثياب صفيقة وإن لم تكن عليها ملحفة.
وليس من شك في أن طالبات الجامعة لا يضربن بخمرهن على جيوبهن، وقد يأتين في أجمل ثيابهن، ويختلطن بفتيان ليس بينهم وبينهن صلة من الصلات المشار إليها في الآية الكريمة.
ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].
الجلباب: الثوب الذي يستر المرأة من فوق إلى أسفل، أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وإدناؤه عليهن إرخاؤه عليهن، قال ابن عباس وجماعة من السلف: أن تلوي الجلباب فوق الجبين، وتشده ثم تعطفه على الأنف، فتستر الصدر ومعظم الوجه إلا عينيها.
ثم ذكر حكمة هذا الستر، وهي أن التستر يدل على العفاف والصيانة؛ إذ من كانت في هذا الحال من التستر لا يطمع الفسَّاق في أن ينالوا من عرضها؛ فلا تلقى من الفساق تعرضًا يؤذيها مثلما تلقى المتبرجات بزينتهن، وذلك معنى قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}.
والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد، وأن عنايتها بأمر صيانة المرأة بالغة، وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن.
ولو كان اختلاط الطلاب بالطالبات مما يأذن به الدين لكان للنساء أن يجلسن مع الرجال في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قلن له: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك، ولما وعدهن يومًا لقيهن فيه وحدهن.
وأذكر منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد. 
ولو كان اختلاط الرجال بالنساء مأذونًا فيه لما احتاج المؤمنات إلى أن يتلفعن بمروطهن، ويرجعن إلى بيوتهن دون أن يعرفهن أحد.
وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها. 
ولو كان اختلاط النساء والأجانب مأذونًا فيه، لما حرَّمت الشريعة على المرأة أن تسافر لأداء فريضة الحج إلا أن يكون معها محرم، ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يدخل رجل على امرأة إلا ومعها محرم. 
وأذكر منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أم سلمة _ رضي الله عنها _ قالت: = كان رسول الله "إذا سلَّم، قام النساء حينما يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم، قالت: نرى _ والله أعلم _ أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال+.
فقيام النساء، وانصرافهن عقب تسليمه " لأنه مأذون لهن في الصلاة دون البقاء في المسجد لغير صلاة، وقد أشارت رواية الحديث إلى أن مكث النبي " في مقامه عقب الصلاة من أجل تمكين النساء من الانصراف؛ لأن الرجال لا يقومون من موضع الصلاة إلا إذا قام عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا شاهد على كراهة الشارع لاختلاط الرجال الأجانب بالنساء.
ثم إن سنة النساء في صلاة الجماعة أن يصلين خلف صفوف الرجال، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أنه قال: صلى النبي في بيت أم سليم، فقمت، ويتيم خلفه، وأم سليم خلفه.
ويدلكم على أن النهي عن اختلاط الرجال بالنساء كان معروفًا بين الصحابة رضي الله عنهم حتى أصبحت قاعدة يذكرونها عندما يشتبه عليهم الأمر في بعض الآثار أو الأحاديث، ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطهن: كانت عائشة رضي الله عنها تطوف في حجرة من الرجال لا تخالطهم.
والحجرة الناحية المنفردة، تقول: رأيت رجلًا يسير من القوم حجرة. أي ناحية منفردة. 
فانظر كيف بدا لابن هشام أن يمنع النساء الطواف مع الرجال؛ أخذًا بالقاعدة المعروفة في الشريعة من منع اختلاط النساء بالرجال.
ولما أنكر عليه عطاء لم يقل له: إن اختلاط النساء بالرجال لا حرج فيه، ولكنه استدل بحديث أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يطفن مع الرجال، ولما بدا لابن جريج أن طوافهن مع الرجال يقتضي الاختلاط بهم، والاختلاط محظور في الشريعة، قال متشكلًا الإذن لهن في الطواف مع الرجال: كيف يخالطهن الرجال؟ فلم يقل له ابن جريج: وأي مانع من هذا الاختلاط، بل بيَّن له أنهن يطفن مع الرجال دون أن يخالطنهم.
وليست نصوص الدين وحدها هي التي تسوق الجمهور إلى إنكار اختلاط الطلاب والطالبات، بل المشاهدات والتجارب قد دلتا على أن في هذا الاختلاط فسادًا لا يستهان به، ومن أنكر أن يكون لهذا الاختلاط آثار مقبوحة فإما أن يكون غائبًا عن شؤون المجتمع، لا يرقبها من قريب ولا من بعيد، وإما أن يكون قد نظر إلى هذا الاختلاط وآثاره بعين لم تنبه إلى وجهة استقباحه، ووجوب العمل على قطع دابره. 
ومن عمد إلى البلاد التي يباح فيها اختلاط الجنسين، ونظر إلى ما يقع فيها من فساد الأعراض، وقاسه بالفساد الذي يقع في البلاد التي يغلب على رجالها ونسائها أن لا يجتمعوا إلا على وجه مشروع- وجد التفاوت بين الفسادين كبيرًا. 
بل لا نحتاج في معرفة هذا التفاوت إلى إحصاء مفاسد هذه وتلك؛ فإن المعروف بالبداهة أن الاختلاط يُحْدِث في القلوب فتنة، ولا تلبث الفتنة أن تجر إلى فساد، فعلى قدر كثرة الاختلاط يكثر ابتذال الأعراض. 
قال الأستاذ: وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام.
يريد أن قبول الطالبات في الجامعة لم يَرْضَ عنه فيما مضى إلا قليل من الناس، والواقع أن الذين يرضون عن هذا الاختلاط لا يزال عددهم قليلًا إذا نظر إليهم إزاء مَنْ ينكرونه، ويَشْكُون من سوء مغبته، ولو استُفْتِيت الأمة استفتاءًا صحيحًا لظهر أن أنصاره لا يزالون في قلة، على أن المسائل الاجتماعية إنما يرجع الحكم فيها إلى الأدلة القائمة على رعاية ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، أما كثرة الأنصار فلا تجدي أمام النصوص الشرعية، والأدلة المؤيدة بالتجارب ولو مثقال ذرة. 
قال الأستاذ: بعد عشر سنوات من قبول هؤلاء الطالبات، قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط فلم نأبه له؛ لأن التطور الاجتماعي معنا، والتطور لا غالب له.
ليس هناك تطور يعرض للاجتماع في نفسه، وإنما تطور الاجتماع أثر أفكار وأذواق وميول نفسية، ورقيُّ هذا التطور أو انحطاطه يرجع إلى حال تلك الأفكار والأذواق والميول؛ فإن غلب على الناس جودة الفكر، وسلامة الذوق، وطهارة ميولهم النفسية- كان التطور الاجتماعي راقيًا وهذا هو الذي لا تنبغي معارضته، ويصح أن يقال فيه: إنه تطور لا غالب له.
أما إذا غلب على الناس انحراف الأفكار في تصور الشؤون الاجتماعية، أو تغلبت أهواؤهم على عقولهم، كان التطور الاجتماعي في انحطاط، وهذا هو الذي تجب معارضته، وأقل دعوة تقوم لإصلاحه يمكنها أن تقوِّم عوجه، وترد جماحه.
وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطور الاجتماعي فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعين على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكاره، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قويت عزائمهم، وجاهدوه من طرقه الحكيمة أماطوا أذاه، وغلبوه على أمره.
وما كانت حالة العرب في الجاهلية إلا تطورًا اجتماعيًا، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم يحارب هذا التطور، فقضى عليه في أعوام غير كثيرة.
ولو عرض حال فرنسا قبل الحرب، ونظرنا إلى ما كان فيها من تهتك، وحاول بعض عقلائهم التخفيف من شر ذلك الاستهتار- لوجد من يقول له: هذا التهتك تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له.
فهل يرضى الأستاذ المحاضر أن يسكت دعاة الإصلاح عما يغلب في الناس من الفساد، وييئسوا من إصلاحه بدعوة أنه تطور اجتماعي، والتطور الاجتماعي لا غالب له؟
والذي نرى أن الإصلاح يسود بالدعاية الحكيمة، وقد يسود بقوة السلطان العادل متى كانت الأمة في عماية عن طريق الرشد، وصَمَمٍ من مواعظ الحكماء، أما الباطل فإنما يسود بوجاهة أشياعه، أو قوة سلطانهم، وإذا تغلب باطل بالدعاية الماكرة فلأن أنصار الحق كانوا غارقين في نوم ثقيل، ولا يرفع الباطل صوته إلا في بيئة غاب عنها الدعاة المصلحون. 
وقد حسبنا عندما سقطت فرنسا في هذه الحرب تلك السقطة المزرية أن يأخذ منها رجالنا عبرة بالغة، فيعود الذين كانوا يحبذون السفور، واختلاط الجنسين، دعاة إلى أدب الإسلام من تستر المرأة بثياب العزة، وصيانتها عن مواقف الابتذال، ومواطن الاختلاط. 
ومن دواعي الأسف أن يتنبه رجال فرنسا قبل أن يتنبه كثير من رجالنا، ويأخذ من سقوط دولتهم عبرة، هي أن سبب ضعف فرنسا وانهيار بنائها هو انحلال أخلاق شبابها، وإغراقهم في الملاذ والشهوات.
ولا إغراق في الشهوات أكثر من تخلية السبيل للنساء يخالطن الرجال، ويبدين لهن ما بطن من زينتهن، دون أن تلتهب في نفس أبيها أو أخيها أو زوجها غيرةٌ حامية. 
وقال الأستاذ المحاضر: ومعنا العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص.
لا يتنازع أحد في العدل بين الأخ والأخت، ولا يمانع من التسوية بينهما في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، [وأن هذا] لا يستدعي اختلاطها بالفتيان، بل يعد هذا الاختلاط عائقًا لها عن الوصول إلى كمالها الخاص، فإنه يذهب بجانب كبير من الحشمة، وهدوء النفس، ويهيؤها لأنْ تنحدر في حفرة من سوء السمعة، ولو كان ولي أمرها الناصح في تربيتها ينظر إلى هذه العاقبة بعين تدرك حقيقتها لحال بينها وبين هذا الاختلاط بكل ما يملك من قوة. 
ونحن لا نعارض في تعليم المرأة، ولا في استمرارها على التعليم إلى أبعد مدىً، ولكنا نريد الاحتفاظ بأساس كمالها الخاص، وهو الصيانة ونقاء العرض.
ولا شك في أن اختلاطها بالفتيان وسيلة قريبة إلى هدم ذلك الأساس، فالذين ينكرون اختلاط الطلاب بالطالبات هم الذين يناصرهم العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كل منهما أسباب كماله الخاص. 
فللمرأة أن تطلب من العلوم ما وَسِعَها أن تطلبه، ولكن على أساس الصيانة، فإن كان طلبها لبعض العلوم يُعَرِّض هذا الأساس للانتقاص فلتكتف بما وصلت إليه يدها من علم، وفي الرجال كفاية للقضاء، والمحاماة، وعضوية مجلس النواب، إلى ما يشابه هذا من الأعمال التي لو تولتها المرأة لانجرَّت بطبيعة العمل إلى عاقبة سيئة هي الاختلاط بالرجال. 
قال الأستاذ المحاضر: ومعنا فوق ذلك منفعة الأمة من تمهيد الأسباب لتكوين العائلة المصرية على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي.
إذا كنَّا لا نستسلم لتقليد أوربا في كل شأن من شؤون الاجتماع، وترفعنا عن أن نجعل حال الأوربيين المثال الكامل للارتقاء القومي- قلنا: إن أساس ارتقائنا القومي هو الاحتفاظ بآداب ديننا، وأن يكون في فتياتنا علم واسع، وعزم صارم، وإرادة ماضية، وصبر على تحمل المشاق، وأن يكون في فتياتنا حشمة، وصيانة، وعلم يساعدهن على تأدية واجباتهن في الحياة من نحو تدبير المنزل، والقيام على تربية الولد، وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على هاتين المهمتين بقوله: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.
وأشار صلى الله عليه وسلم إلى مهمة تدبير المنزل بقوله: والمرأة راعية على بيت زوجها... 
وإذا كان النظر إلى زينة المرأة، والتأمل في محاسن وجهها وسيلةَ تعلقِ القلب بها، وتعلقُ القلب مدرجة الفتنة- فالاختلاط الذي يستدعي تكرار النظر، ويجر إلى الأخذ بأطراف الحديث يكون بلا ريب أمرا منكرًا؛ إذ هو الوسيلة المباشرة لزلزلة نفوس الفتيان والفتيات بعد سكونها زلزلة قد تذهب بأعراضٍ كانت مصونة، وإذا دخل ابتذال العرض في الأسرة، فمن أين لنا أن نكونها على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي ؟.
وليس في حماية الفتاة من الاختلاط بغير محارمها، تضييق لدائرة الحياة في وجهها، وإنما هو احتفاظ بكرامتها، وتوفير لهنائها؛ إذ بصيانتها عن الاختلاط تعيش بقلب طاهر، ونفس مطمئنة، وبهذه الصيانة تزيد الصلة بينها وبين زوجها، وأولي الفضل من أقاربها متانة وصفاءً. 
وأنا لا أستبعد صحة ما أسمعه كثيرًا من أن النزاع بين الرجال وزوجاتهم أصبح أكثر مما كان، وأن منشأ هذا الخصام تهافت النساء على التبرج الممقوت، وتساهلهن في الاجتماع بغير محارمهن. 
والواقع أن أنصار اختلاط الجنسين لا يؤيدهم تطور اجتماع صحيح، ولا يناصرهم العدل بين الأخ وأخته في تحصيل كل منهما أسباب كماله الخاص، ولا تقف بجانبهم مصلحة الأمة في حال، وليس معهم إلا أنهم فعلوا ذلك، ففتحوا أبواب الجامعة للطالبات، وكان منكرو هذا الاختلاط على كثرتهم في تفرق، فلم يصدعوا بإنكارهم، واقتصروا على أن يرددوا هذا الإنكار في مجالسهم، وربما كتب أحدهم مقالة في صحيفة، أو قال كلمة في محاضرة.
ولو عقد دعاة الإصلاح مؤتمرًا أخلاقيًا، ونظروا في شأن اختلاط الجنسين نظرًا خاليًا من كل هوى، وبسطوا القول في وجوه مفاسده- لكان لقرارهم شأن، وكان لرجال السياسة الرشيدة في أمر الفتيات رأي يجمع بين إعطائهن حظهن من التعليم، وصيانتهن من مواضع الفتنة والابتذال.                     للشيخ محمد الخضر حسين                                                                                   المصدر: مجلة الهداية الإسلامية

أما لهذا اللهو من آخر؟!

ما أشأم العصيان وأوخم عقباه! إنَّه قاتل للأفراد والأمم على سواء.
ولست أعني بالعصيان كبوة الجواد، وهو ماض إلى غايته، راكضًا لا يكسل، عازمًا لا يهِن، مبصرًا لا يعمى، كلا فلكلِّ سائر جادٍّ عثرة أو عثرات لا تضيع مرءوته، ولا تسقط مكانته!!
وإنما أقصد بالعصيان استمراء الانحراف، وإيلاف الشهوات، وانفكاك العزيمة، وموت القلب!
هذا اللون من الحياة الظالمة المظلمة هو الذي ينتهي بالحضارات إلى التفسخ، وبالأفراد إلى البوار، وبالبلاد وأهليها إلى متالف الغضب الإلهي.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].
وجماهير غفيرة من أهل أوربا وأمريكا يعيشون في سكرة موصولة، وإن كان لا ينتهي لهم كدح، ويفتنون في الملذات، وإن كانوا كذلك يفتنون في الكشوف العلمية والكونية...
إنَّ للمعاصي وجهين دميمين: أحدهما قيمتها عند اللَّه، فإنَّ اللَّه يكره أن يُجحد ويُنسى، وأن يهيم عباده وراء نزواتهم القريبة والبعيدة غير مؤدِّين له حقًّا، ولا موفين له بعهده، إنَّ العقاب الذي ينتظرهم عدل، ويومئذ يسمعون قول الحقِّ: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 75، 76].
أما الوجه الآخر فهو أثر هذا التحلل في المجتمعات البشرية، إنه يستتبع كارثة قومية مدمِّرة، ويكاد - في نظري - يمثل خيانة وطنية للأرض التي نعيش فوقها والجماهير التي تضطرب بينها.
ومنذ أيام قرأت كتابًا عن الجاسوسية ومغامراتها فشعرت بأنَّ افتضاح الأسرار، وانكشاف المخبوء إنما يعود إلى ميل بعض الناس إلى معاقرة الخمر ومعاشرة النساء.
إنَّ السكر والزنا ليسا قذارات فردية فقط، بل وسائل طيِّعة لقتل الأمم، وتسليم مقدراتها لخصومها.
ولو عقلت الأمم العربية كلُّها لاعتبرت الدعوة إلى اللهو- وأحوالها ما نعلم - جريمة خلقية وسياسية معًا، ولاعتبرت توهين الإيمان خيانة لله والناس، وتخريبًا للمستقبل والحاضر جميعًا.
إنَّه باسم الفن تثور في كياننا براكين مدمِّرة، ومن عشرات السنين ونحن نرفع عقائرنا بالتحذير دون جدوى.
وقد أثبت هذه الخاطرة لي من ربع قرن في كتابي ((موكب الدعوة)) أعود إلى ذكرها، علم العرب والعجم والإنس والجن أنَّه كان للمسلمين ملك طويل عريض في ديار الأندلس عمرت به حينًا، ثم حرمت منه وحرم منها، وانطوت بطون التاريخ على ذكرياته الحلوة والمرة! وقد يحدث أن ينبش المسلم الثري عن رفات هذا التاريخ المدفون، فإذا هو يطالع من أبنائه ما يذكر بقول القائل:
ابكِ مثلَ النساءِ مُلكًا تولَّى ... لم تحافظْ عليه مثلَ الرِّجالِ
ولكن الأستاذ الأديب محمد إسعاف النشاشيبي - جزاه اللَّه - لا يرى بعد أن يطالع التاريخ الأندلسي البكاء مع النساء، بل يرى الرقص مع النساء ويقول: (الرقص شيء حسن لا يجادل في حسناته وفضائله مؤمن)!!
وطبيعي أنه يقصد بالإيمان شيئًا آخر غير الإيمان باللَّه ورسوله، أي غير الإيمان بالإسلام وفضائله وحسناته، فلما أعوذته الشواهد على صدق رأيه ذهب إلى كتاب ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) لينقل لنا صورة من صور الخلاعة والتهتك الذي جنح إليه بعض الأمراء والوزراء الأندلسيين في عصور انحطاطهم وتحللهم الذي لم يزل بهم حتى أحلَّهم دار الهوان، ذهب الأستاذ الأديب إلى كتاب ((نفح الطيب)) فأخرج منه القصة الآتية:
((كان المنصور بن أبي عامر (سلطان الأندلس) قد عزم في يوم على الانفراد، فأمر بإحضار من جرى رسمه من الأدباء والندماء وأحضر الوزير (أحمد بن شهيد) في محفة لنقرس كان يعتاده وأخذوا في شأنهم.
فمرَّ لهم يوم لم يشهدوا مثله، وطما الطرب، وسما بهم حتى تهايج القوم ورقصوا، وجعلوا يرقصون بالنوبة حتى انتهى الدور إلى ابن شهيد، فأقامه الوزير أبو عبد اللَّه بن عباس، فجعل يرقص وهو متوكئ عليه، ويرتجل، ويومئ إلى المنصور وقد غلبه السكر:

هاك شيخًا قاده عذر لكا ...   قام في رقصته مستهلكا
لم يطق يرقصها مستثبتًا ...   فانثنى يرقصها مستمسكا
عاقه عن هزها منفردا   .....    نقرس أخنى عليه فاتكا
من وزير فيهم رقاصة   ...      قام للسكر يناغي ملكا
أنا لو كنت كما تعرفني .. قمت إجلالاً على رأسي لكا
قَهْقه الإبريق مني ضاحكا ...   ورأى رعشة رجل فبكى

ونحن نذكر القصة آسفين، ليرى القارئ في ثناياها أطراف مأساة كابية تصرخ بأسرار الانهيار الذي أصاب بناءنا، وتفصح عن أسباب الهزيمة التي طوت عن هذه البقاع أعلامنا.
وقد كان المظنون بكلِّ مؤرخ مسلم إذا عرض لهذه المخازي أن يثير بها شتى العبر، وأن يجعل من توجيهها دروسًا تنفع الأمة في حاضرها ومستقبلها.
لا أن يذكرها على سبيل الاحتجاج لمحاسن الرقص وفضائله، ثم يدعو الناس إلى الاقتداء الأثيم بملوك ذلك مسلكهم، ووزراء هذا عملهم، يعاقرون الخمر! ويهيجون للرقص، ولا يجوز أن يشيع المسلمون سيرتهم إلا بالأسى واللعن.
ثم هم لم يكونوا - بعد - شيئًا طائلاً في المحافظة على دينهم، أو المحافظة على دنياهم، حتى سئم المتنبي أبهتهم الكاذبة وألقابهم الفارغة، وصدَّ عن الذهاب إليهم قائلاً أبياته المشهورة:

مما يزهدني في أرضِ أندلسٍ ....    ألقاب معتصم فيها ومعتضدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها ..كالهرِّ يحكى انتفاخًا صولة الأسدِ

والعجب في أمر كاتب مقال الرقص أن يذهب إلى كتب السيرة ليروي منها كيف أنَّ الأحباش رقصوا في المسجد، كأنَّ المساجد صالات تتلوى فيها البطون والظهور، فيسوغ لنا أن نذكر ما حدث فيها بين يدي الرقص الأندلس المخمور!! أو كأنَّ الألفاظ وسيلة للتلبيس على العقول وتضليل الناس. عن الرقص الذي شهده الرسول والذي لم يكن في الحقيقي غير عرض عسكري طريف.
ماذا على الناس لو أراحوا الدين من عنت الأهواء الجامحة؟
فإذا أرادوا العصيان لم يلجئوا إليه بفتوى تشرعه.
ثم لنا أن نتساءل: هل الجو الذي يعيشه المسلمون الآن في غيومه ورجومه يتحمل هذا اللغو من الكلام؟
ألا فليطمئن الكاتب الراقص! فإنَّ المسلمين الآن جميعا يرقصون، ولكن كما يقول القائل:
لا تحسبوا رقصي بينكم فرحًا ... فالطير يرقص مذبوحًا من الألم
إننا نكتب هذه السطور وآخر ما قرع آذاننا من فواجع مئات القتلى من المسلمين في جزائر الفلبين، اغتالهم الفتانون من لصوص العقائد، فذهبوا إلى اللَّه ضحايا الظلم المنظم، وضحايا ما أصاب المسلمين من خور في القوة وتطلع إلى الشهوة.                                                                         
الشيخ محمد الغزالي  لمصدر: مجلة (التوحيد) إصدار جماعة أنصار السنة، عدد 1/5/1393هـ، المجلد الأول- بتصرف.

الإسلام والمسيحية

... في أيِّ عصر من عصور التاريخ، كانت الديانة المسيحية مبعث العلم ومطلع شمس المدنية والعمران ؟ أفي العصر الذي كانت تدور فيه رحى الحرب الدموية بين الأرثوذكس والكاثوليكية تارة، وبين الكاثوليك والبروتستانت تارة أخرى بصورة وحشية فظيعة اسودَّ لها لباس الإنسانية، وبكت الأرض منها والسماء ؟ أم في العصر الذي كانت إرادة المسيحي فيه صورة من إرادة الكاهن الجاهل؛ فلا يعلم إلا ما يعلِّمه إياه، ولا يفهم إلا ما يلقيه إليه، فما كان يترك له الحرية حتى في الحكم على نفسه بكفر أو إيمان، وبهيمية أو إنسانية، فيكاد يتخيل أنَّ له ذَنَبًا متحركًا وخيشومًا طويلًا، وأنَّه يمشي على أربع إذا قال له الكاهن : أنت كلب، أو قال له: إنَّك لست بإنسان؟ 
أم في العصر الذي كان يعتقد فيه المسيحي أنَّ دخول الجمل في سَمِّ الخياط أقرب من دخول الغني في ملكوت السموات ؟ أم في العصر الذي كان يحرِّم فيه الكاهن الأعظم على المسيحي أن ينظر في كتاب غير الكتاب المقدس، وأن يتلقَّى علمًا في مدرسة غير مدرسة الكنيسة ؟ أم في العصر الذي ظهرت فيه النجمة ذات الذنب فذعر لرؤيتها المسيحيون ورفعوا إلى البابا عرائض الشكوى فطردها من الجو فولت الأدبار ؟! 
أم في العصر الذي أهدى فيه الرشيد العباسي الساعة الدقاقة إلى الملك شارلمان فلما رآها الشعب المسيحي، وسمع صوتها، فرَّ من وجهها ظنًّا منه أنَّها تشتمل على الجنِّ والشياطين ؟! أم في العصر الذي أُلِّفت فيه محكمة التفتيش لمحاكمة المتهمين بمزاولة العلوم، فحكمت في وقت قصير على ثلاثمائة وأربعين ألفًا بالقتل حرقًا أو صلبًا ؟ أم في العصر الذي أحرق فيه الشعب المسيحي فتاة حسناء بعدما كشط لحمها وعرق عظمها؛ لأنَّها تشتغل بعلوم الرياضة والحكمة؟ 
هذا الذي نعرفه أيها الفيلسوف التاريخي من تاريخ العلم والعرفان والمدنية والعمران في العصور المسيحية، ولا نعلم أكانت تلك المسيحية التي كان هذا شأنها، وهذا مبلغ سعة صدرها صحيحة في نظرك أم باطلة، وإنما نريد أن نستدلَّ بالمسيحيين على المسيحية، وإن لم نقف على حقيقتها، كما فعلت أنت في استدلالك بالمسلمين على الإسلام وإن لم تعرف حقيقته وجوهره، على أنَّ استدلالنا صحيح واستدلالك باطل، فإنَّ المدنية الحديثة ما دخلت أوربا إلا بعد أن زحزحت المسيحية منها لتحتل محلها كالماء الذي لا يدخل الكأس إلا بعد أن يطرد منها الهواء؛ لأنَّه لا يتسع لهما، فإن كان قد بقي أثر من آثار المسيحية اليوم في أكواخ بعض العامة في أوربا، فما بقي إلا بعد أن عفت عنه المدنية، ورضيت بالإبقاء عليه، لا باعتبار أنَّه دين يجب إجلاله وإعظامه، بل باعتبار أنَّه زاجر من الزواجر النفسية التي تستعين الحكومات بها وبقوتها على كسر شِرَّة النفوس الجاهلة، فلا علاقة بين المسيحية والتمدين الغربي من حيث يستدل به عليها، أو باعتبار أنَّه أثر من آثارها، ونتيجة من نتائجها، ولو كان بينه وبينها علاقة ما افترقت عنه خمسة عشر قرنًا ، كانت فيها أوربا وراء ما يتصوره العقل من الهمجية والوحشية والجهل، فما نفعتها مسيحيتها، ولا أغنى عنها كهنوتها. 
أما المدنية الإسلامية فإنها طلعت مع الإسلام في سماء واحدة من مطلع واحد في وقت واحد، ثم سارت إلى جانبه كتفًا لكتف، ما ينكر من أمرها، ولا تنكر من أمره شيئًا، فالمتعبد في مسجده، والفقيه في درسه، والمعرب في خزانة كتبه، والرياضي في مدرسته، والكيمائي في معمله، والقاضي في محكمته، والخطيب في محفله، والفلكي أمام إسطرلابه، والكاتب بين محابره وأوراقه، إخوة متصافون، وأصدقاء متحابون، لا يختصمون ولا يقتتلون، ولا يكفر بعضهم بعضًا، ولا يبغي أحد منهم على أحد.
أيها الفيلسوف التاريخي: إن كان لابد من الاستدلال بالأثر على المؤثر فالمدنية الغربية اليوم أثر من آثار الإسلام بالأمس، والانحطاط الإسلامي اليوم ضربة من ضربات المسيحية الأولى. وإليك البيان :
جاء الإسلام يحمل للنوع البشري جميع ما يحتاج إليه في معاده ومعاشه، ودنياه وآخرته، وما يفيده منفردًا، وما ينفعه مجتمعًا. 
هذَّب عقيدته بعدما أفسدها الشرك بالله والإسفاف إلى عبادة التماثيل والأوثان، وإحناء الرؤوس بين أيدي رؤساء الأديان، وأرشده إلى الإيمان بألوهية إله واحد، لا يشرك به شيئًا، ثم أرشده إلى تسريح عقله ونظره في ملكوت السموات والأرض؛ ليقف على حقائق الكون وطبائعه، وليزداد إيمانًا بوجود الإله وقدرته وكمال تدبيره، ليكون اقتناعه بذلك اقتناعًا نفسيًّا قلبيًّا، فلا يكون آلة صماء، في يد الأهواء تفعل به ما تشاء.
 ثم أرشده إلى مواقف تذكِّره بربه وتنبِّهه من غفلته، وتطرد الشرور والخواطر السيئة عن نفسه، كلما ابتغت إليها سبيلًا، وهي مواقف العبادات ثم أطلق له الحرية في القول والعمل ... وعرَّفه قيمة نفسه بعدما كان يجهلها، وعلمه أنَّ الإنسانية لا فرق بين فقيرها وغنيها ووضيعها ورفيعها وضعيفها وقويها، وأنَّ الملك والسوقة، والشريف الهاشمي، والعبد الزنجي، أمام الله والحقِّ سواء، وأنَّ الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، والنفع والضرَّ، والثواب والعقاب، والرحمة والغفران، بيد الله وحده لا ينازعه منازع، ولا يملكها عليه أحد من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين.
 ثم نظر في أخلاقه فأرشده إلى محاسنها، ونفَّره من مساوئها حتى علَّمه آداب الأكل والشرب، والنوم والمشي، والجلوس والكلام، والتحية والسلام ثم دخل معه منزله، فعلَّمه كيف يبرُّ الابن أباه، ويرحم الوالد ولده. ويعطف الأخ على أخيه، ويكرم الزوج زوجته، وتطيع الزوجة زوجها، وكيف يكون التراحم والتواصل بين الأقرباء وذوي الرحم.
 ثم نظر في شؤونه الاجتماعية، ففرض عليه الزكاة التي لو جُمعت ووُضعت في مواضعها المشروعة لما كان في الدنيا بائس ولا فقير، وندبه إلى الصدقة ومساعدة الأقوياء للضعفاء، وعطف الأغنياء على الفقراء.
 ثم شرع له الشرائع للمعاملة الدنيوية. ووضع له قوانين البيع والشراء، والرهن والهبة والقرض والتجارة والإجارة والمزارعة والوقف والوصية والميراث؛ ليعرف كلُّ إنسان حقَّه، فلا يغبن أحد أحدًا.
 ثم قرَّر له عقوبات دنيوية، تمنعه أن يبغي بعضه على بعض بشتم أو سبٍّ أو قتل أو سرقة أو انتهاك حرمة أو مجاهرة بمعصية أو شروع في فتنة أو خروج على أمير أو سلطان.
 ثم نظر في شؤونه السياسية، فقرَّر الخلافات وشروطها، والقضاء وصفاته، والإمارة وحدودها، وقرَّر كيف يعامل المسلمون مخالفيهم في الدين البعيدين عنهم والنازحين إليهم، وذكر مواطن القتال معهم، ومواضع المسالمة لهم.وجملة القول: إنَّ الدين الإسلامي ما غادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا ترك الإنسان يمشي في ميدان هذه الحياة خطوة من مهده إلى لحده، إلا مدَّ يده إليه، وأنار له مواقع أقدامه، وأرشده إلى سواء السبيل. 
طلعت هذه الشمس المشرقة في سماء العرب فملأت الكون نورًا وإشراقًا، واختلف الناس في شأنها ما بين معترف بها، ومنكر لوجودها، ولكنهم كانوا جميعًا سواء في الانتفاع بنورها، والاستنارة بضيائها، على تفاوت في تلك الاستنارة، وتنوُّع في ذلك الانتفاع. 
طلعت هذه الشمس المشرقة فتمشت أشعتها البيضاء إلى أوربا من طريق أسبانيا وجنوب إيطاليا وفرنسا، فأبصرها عدد قليل من أذكياء الغربيين، فانتبهوا من رقدتهم، واستيقظوا من سباتهم، ورأوا من جمال المذاهب الإسلامية، وشرائع الكون ونظامه، وقواعد الحرية والمساواة ما لفت نظرهم إلى المقابلة بين المجتمع الغربي الخامل الضعيف، والمجتمع الشرقي النابه اليقظ، فقالوا : أيمكن أن يعيش الإنسان حرًّا على ظهر المسكونة، لا يستعبده ملك، ولا يسرقه كاهن ؟ أيمكن أن يبيت المرء ليلة واحدة في حياته هادئًا في مضجعه، مطمئنًا في مرقده، لا يروعه دولاب العذاب، ولا سيف الجلاد ؟ أيمكن أن تملك النفس حريتها في النظر إلى نظام العالم وطبائعه ودراسة العلوم الكونية ومزاولتها ؟ أيمكن أن يطلع فجر المدنية على هذا المجتمع الغربي، فيمحو ظلمته التي طال عهدنا بها حتى غشيت أبصارنا، فما يكاد يرى بعضنا بعضًا؟
كانت هذه الخواطر المترددة في عقول أولئك الأذكياء هي الخطوة الأولى التي مشتها أوربا في طريق المدنية والعمران، بفضل الإسلام وشرائعه، التي عرفها هؤلاء الأفراد من مخالطة المسلمين في أوربا، ومطالعة كتبهم، ومناظرة حضارتهم ومدنيتهم، ثم أخذوا يعلمونها للناس سرًّا، ويبثونها في نفوس تلاميذهم شيئًا فشيئًا، ويلقون في سبيل نشرها عناء شديدًا، واستمرَّ هذا النزاع بين العلم والجهل قرونًا عدة، حتى انتهى أمره بالثورة الفرنسية، فكانت هي القضاء الأخير على الوحشية السالفة والهمجية القديمة. 
أيها الفيلسوف التاريخي: إنَّك لا بدَّ تعلم ذلك حقَّ العلم؛ لأنه أقلُّ ما يجب على المؤرخ أن يعلمه، كما تعلم أنَّ المدنية الإسلامية إذا وسعت غيرها فأحرى بها أن تسع نفسها، ولكن التعصب الديني قد بلغ من نفسك مبلغه، فما كفاك أن أنكرت فضل صاحب الفضل عليك، حتى أنكر عليه فضله في نفسه ! 
لا حاجة بي أن أشرح لك المدنية الإسلامية أو أسرد لك أسماء علمائها وحكمائها ومؤلفاتهم في الطبيعة والكيمياء والفلك والنبات والحيوان والمعادن والطب والحكمة والأخلاق والعمران، أو أعدِّد لك مدارسها ومجامعها ومراصدها في الشرق والغرب، أو أصف لك مدنها الزاهرة، وأمصارها الزاخرة، وسعادتها وهناءتها، وعزتها وسطوتها، فأنت تعرف ذلك كلَّه إن كنت مؤرخًا كما تقول. 
غير أني لا أنكر ما لحق بالمسلمين في هذه القرون الأخيرة من الضعف والفتور، وما أصاب جامعتهم من الوهن والانحلال، ولكن ليس السبب ذلك الإسلام كما نتوهم، بل المسيحية التي سرت عدواها إليهم على أيدي قوم من المسيحيين أو أشباه المسيحيين، لبسوا لباس الإسلام، وتزيُّوا بزيِّه، ودخلوا بلاده، وتمكنوا من نفوس ملوكه الضعفاء، وأمرائه الجهلاء، فأمدوهم بشيء من السطوة والقوة، تمكنوا به من نشر مذاهبهم السقيمة، وعقائدهم الخرافية بين المسلمين حتى أفسدوا عليهم مذاهبهم وعقائدهم، وأوقعوا الفتنة فيهم، وحالوا بينهم وبين الاستمداد من روح الإسلام وقوته، فكان من أمرهم بعد ذلك ما كان                                                                                     مصطفى لطفي المنفلوطي

دعوهم وما يقولون

إن قالوا: (جامدون) فقولوا: نعم، نحن جامدون وأنتم مائعون! إن الماء الجامد كقطعة الألماس التي يبسم فيها النور، وتقبلها شفاه الشمس، أما المائع فيجري حتى يكون وحلًا تطؤه الأقدام.
فأيُّنا أنقى وأطهر: نحن الجامدون، أم أنتم أيها المائعون؟!
وإن قالوا: (رجعيون) فقولوا: نعم، ولكنها رجعة إلى أيام المجد الذي شدناه على قمة الدهر، والنور الذي أضأناه للزمان؛ ليعرف طريقه إلى الخلود، والحضارة التي دِنَّا بها البشر، وجعلنا بها الإنسان خليقًا بالإنسانية.
فهل تكرهون أن نرجع إلى مثل تلك الأيام؟!
وإن قالوا: نحن (تقدميون) فقولوا: نعم، ولكنكم لا تتقدمون إلا إلى الهاوية، هاوية الانحلال والفساد، تريدون أن تكونوا أحرارًا في غرائزكم، كحرية الديكة والحمير، فمن قرَّبكم من هذه الهاوية، فقال لكم: اهتكوا أستار العورات، وارفعوا السجف بين الرجال والنساء. فهو تقدمي، ومن زلَّ لسانه مرة فذكر الدين، أو نطق بكلمة الخلق، أو قال: حلال وحرام، فهو رجعي من الرجعيين.
وإن قالوا: نحن (اشتراكيون) فقولوا: ... ما رأينا عندكم منها إلا اسمها، تتجملون به في خطبكم ومباحثكم، وتتخذه أحزابكم الهزيلة شبكة تصطاد بها الأصوات يوم الانتخاب!
وإن قالوا: (الروح الرياضية) فقولوا: نعم، ولكن رياضتكم جسد مكشوف بلا روح، والرياضة رياضة النفس قبل رياضة الجسم، وروحها التعاون بإخلاص، والإقرار بالحقِّ، وأن لا يزدهيك النصر، ولا تحطمك الهزيمة، ولا يداخلك اليأس، وأن يكون عليك من نفسك رقيب يحاسبها قبل أن تحاسب، وأن يكون لك من إرادتك قيد لشهواتك، فأين أنتم من هذا كلِّه وأنتم بطَّاشون عند الظفر، خَوَّارون عند الصدمة الأولى، قد تعبدتكم شهواتكم، وتحكَّمت فيكم غرائزكم، ثم إنكم مختلفون متباغضون متحاسدون، لا تعرفون من التعاون إلا أنه كلمة تنطق بها ألسنتكم، وتكذب بها أفعالكم؟
وإن قالوا: (المساواة بين الجنسين) فقولوا: نعم، وسوف نَسُنُّ قانونًا يوجب أن يحبل الرجل مرة، وتحبل المرأة مرة، ويرضع سنة، وترضع هي سنة، وبذلك يتساوى الجنسان، ويجتمع النقيضان، فيصير الرجل امرأة، وتصير المرأة رجلًا، ويتحقق ما تريده الجمعيات النسائية!
وإن قالوا: أتردُّوننا إلى الوراء وترجعوننا – ونحن في عصر الذرة- إلى غار حراء؟ فقولوا: الحقُّ معكم، إنَّ الزمان ماضٍ إلى الأمام، وكلُّ قديم قد جدَّ في مكانه ما أوجب تركه، لذلك تركتم الدين أولًا، ثم رأيتم العقل أقدم من الدين، فتركتموه وغدوتم من بعده مجانين!
ومهما قالوا من أشباه هذا الهذر، فلا تبالوه ولا تحفلوه، واجعلوا ردَّكم عليهم هزأ به وسخرية بأهله، وأن تبقوا سائرين في طريقكم إلى غايتكم، فإنهم ما يقصدون إلا تعويقكم عنها، وإقامة الأشواك في سبيلكم إليها، وغايتكم – يا أيها الشباب المسلمون – في السماء، ستركبون إليها الرياح، وتسيرون على هام السحب، ولقد أعدَّت طيارتكم، وهدرت محركاتها، وستمشون على درب من شعاع الشمس، لا على محجة من تراب الأرض، فهل تعوق الأشواك من يشقُّ طريقه في كبد السماء؟
إنهم لا يملكون إلا أن يقولوا فدعوهم وما يقولون.                                                            للشيخ على الطنطاوى

زوجات معينات


هذه خديجة رضي الله عنها السابقة لغيرها، المنفردة بالفضل على من سواها، أول من آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم من خير نساء العالمين، 
قال عنها صلى الله عليه وسلم: ( خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة عليها السلام) رواه البخاري ومسلم

لقد وقفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي وصدقته وآزرته وقالت قولتها المشهورة ( والله لا يخزيك الله أبدا ) وتذهب به إلى ورقة بن نوفل وتقول: اسمع من ابن عمك ، لم تتركه ولم تتخلّ عنه بل كانت نعم العون لنبي الله صلى الله عليه وسلم.

إن المرأة المسلمة لها دور عظيم في تذكير زوجها إذا نسي، ومعاونته على أمور دينه و دنياه ، إذا غفل ذكرته، وإذا ابتلي صبرته، وإذا احتاج أعانته ، تدعوه للآخرة، وتدنيه من طاعة الله .

هذه عمرة امرأة حبيب العجمي، إذا نام زوجها عن قيام الليل قالت له: قم يا رجل فقد ذهب الليل وجاء النهار وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل قوافل الصالحين قد سارت ونحن بقينا.
عجباً لها تذكره وتعينه على الطاعة لا تشغله بالدنيا الفانية، فكم من النساء اليوم من تشغل زوجها وترهقه بأمور الدنيا وزينتها مما لا حاجة لها فيه إلا تقليد الآخرين ومتابعة الفارغين من أهل الدنيا والمعرضين عن الدين .

وهذه امرأة ترى غفلة في زوجها وتقصيراً فتقول: قم ويحك إلى متى تنام؟ قم يا غافل إلى متى أنت في غفلتك؟ أقسمت عليك أن لا تكسب معيشتك إلا من حلال. أقسمت عليك ألا تدخل النار بسببي، برّ أمك، وصل رحمك، لا تقطعهم فيقطعك الله .

أما نساء اليوم فلسان حالهن ومقالهن : اقطع رحمك واترك أمك واقترض من البنوك الربوية... المهم أن أرض عنك فهذه هي السعادة. 

شتان بين داعية إلى الدنيا ولذاتها، وأخرى تدعو إلى الآخرة وترجو رحمة ربها. ولا عجب فلقد قال صلى الله عليه وسلم ( فاظفر بذات الدين تربت يداك)

يا من تريدين السعادة وتبحثين عن القدوة عليك أن تحتذي حذو الصالحات وتقتفي آثارهن وتتأسي بهن .

هذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سيدة نساء هذا الأمة يقول عنها علي رضي الله عنه: لقد تزوجتها وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلق عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها.

ويقول عنها عطاء بن أبي رياح: إن كانت فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن وان قصتها لتضرب الأرض والجفنة.

ويقول عنها علي رضي الله عنه: لقد جرت بالرحى حتى أثر بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت بنحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها.

هكذا المرأة المسلمة لا تجد فراغَاْ تعمل بالليل والنهار ترجو رحمة العزيز الغفار ، تخدم زوجها ، وتعتني ببيتها ، وتشتغل بشؤونها .

شتان بينهن وبين اللاتي يبحثن اليوم عن عمل خارج بيوتهن لا من حاجة وإنما ليجنين منه الأموال ويصرفنها على زينتهن ويتخلين عن عمل عظيم لا يقوم به سواهن ، عمل البيت وخدمة الزوج وتربية الأبناء .

أين هؤلاء من التأسي ببنت خير عباد الله محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان في خروجها من بيتها خير وعملها في غير بيتها نفَع لأمرها به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
 المصدر موقع كتابى

Copyright @ 2013 نبض الاسلام .